د. عبد السلام معلا
يحاول هذا الكتاب تشخيص المنظور الذي يتعيّن اعتماده لتوصيف وتحليل عملية طوفان الأقصى، وما تبعها من عدوان إسرائيلي همجيّ على قطاع غزّة، وهي مسألة تنطوي على أهمية بالغة، ذلك أن التباين في قراءة العملية وفهم دلالاتها، ومن ثَمَّ، تحديد الموقف إزاء رد فعل الاحتلال عليها، يعكس الاختلاف حول المنظور المشار إليه في المقام الأول. ولذلك، فإنه ينبغي أن يتأسّس على إطار استيعابي واسع، زمانًا ومكانًا وإرثًا تاريخيًّا، إذ ليس من المنطق أو المعقول تناول عملية طوفان الأقصى، ولا ما تبعها من حرب إبادة جماعية تستهدف قطاع غزّة، بينما يتم القفز عن سياقها الزماني والمكاني والتاريخي. ذلك أنه لا يمكن فهم دوافع طوفان الأقصى وإدراك مغزاه واستشراف مآلاته بمعزلٍ عن استيعاب ظروف نشأة المشروع الصهيوني نهايةَ القرن التاسع عشر، وظهور مصطلح ومشروع الشرق الأوسط الاستعماري بداية القرن العشرين، واتفاقية سايكس بيكو 1916م، ووعد بلفور 1917م، وانتصار الحلفاء في الحربين العالميتين؛ الأولى 1918م والثانية 1945م، وبناء نظام عالمي على إثرهما، ليس للعرب ولا للمسلمين فيه ناقة ولا جمل، ووضع المشروع الصهيوني يده على فلسطين كاملة عام 1948م، ثمّ 1967م، وتسيُّد الولايات المتحدة للنظام العالمي منفردةً منذ عام 1991م.وغنيٌّ عن القول، أن تناول طوفان الأقصى بينما يتم التغافل عمّا سبق ذكره، يعني تجريدا للحدث البارز عن سياقاته الطبيعية والمنطقية والتاريخية، الأمر الذي لا يخدم الحقيقة، بل يسهم في تغييبها وتزييف الوعي ومنح الشرعية لرواية الاحتلال للصراع، والعكس صحيح. ويقع التدافع حول المنظور المشار إليه في صلب عملية الصراع، لكنه على الوعي هذه المرة، والذي يعتبر تحريره من الزيف أولى الخطوات لكسب المعركة الكبرى، التي تدور رحاها اليوم في فلسطين و'قطاع غزّة' على وجه الخصوص.
